_ تبدأ القصة عند ولادتي ، فكنت الابن الوحيد في أسرة شديدة الفقر فلم يكن لدينا من الطعام ما يكفينا و إذا وجدنا في يوم من الأيام بعضا ًمن الأرز لنأكله ويسد جوعنا : كانت أمي تعطيني نصيبها و بينما كانت تحوِّل الأرز من طبقها إلى طبقي كانت تقول : يا ولدي تناول هذا الأرز ، فأنا لست جائعة
(وكانت هذه كذبتها الأولى)
2- وعندما كبرت أنا شيئا قليلا كانت أمي تنتهي من شئون المنزل وتذهب للصيد في نهر صغير بجوار منزلنا كان عندها أمل أن أتناول سمكة قد تساعدني على أن أتغذى وأنمو و في احدى المرات استطاعت بفضل الله أن تصطاد سمكتين أسرعت إلى البيت وأعدت الغذاء ووضعت السمكتين أمامي فبدأت أنا أتناول السمكة الأولى شيئا فشيئا و كانت أمي تتناول ما يتبقى من اللحم حول العظام والشوك اهتز قلبي لذلك فوضعت السمكة الأخرى أمامها لتأكلها ، فأعادتها أمامي فورا وقالت :يا ولدي تناول هذه السمكة أيضا ، ألا تعرف أني لا أحب السمك
((وكانت هذه كذبتها الثانية))
3-وعندما كبرت كان لابد أن ألتحق بالمدرسة ، ولم يكن معنا من المال ما يكفي مصروفات الدراسة ذهبت أمي إلى السوق واتفقت مع موظف بأحد محال الملابس أن تقوم هي بتسويق البضاعة بأن تدور على المنازل وتعرض الملابس على السيدات و في ليلة شتاء ممطرة ، تأخرت أمي في العمل و كنت أنتظرها بالمنزل ، فخرجت أبحث عنها في الشوارع المجاورة وجدتها تحمل البضائع وتطرق أبواب البيوت ناديتها : أمي ، هيا نعود إلى المنزل فالوقت متأخر و البرد شديد و بإمكانك أن تواصلي العمل في الصباح فابتسمت أمي وقالت لي : يا ولدي.. أنا لست مرهقة
((وكانت هذه كذبتها الثالثة))
4-وفي يوم اختبار آخر العام بالمدرسة ، أصرت أمي على الذهاب معي ، ودخلت أنا و وقفت هي تنتظر خروجي في حرارة الشمس المحرقة و عندما دق الجرس وانتهى الامتحان خرجت لها فاحتضنتني بقوة ودفء وبشرتني بالتوفيق من الله تعالى وجدت معها كوبا فيه مشروب كانت قد اشترته لي كي أتناوله عند خروجي ، فشربته من شدة العطش حتى ارتويت بالرغم من أن احتضان أمي لي : كان أكثر بردا وسلاما و فجأة نظرت إلى وجهها فوجدت العرق يتصبب منه ، فأعطيتها الكوب على الفور وقلت لها :اشربي يا أمي فردت : يا ولدي اشرب أنت ، أنا لست عطشانة
((وكانت هذه كذبتها الرابعة))
5-وبعد وفاة أبي كان على أمي أن تعيش حياة الأم الأرملة الوحيدة ، وأصبحت مسئولية البيت تقع عليها وحدها ويجب عليها أن توفر جميع الاحتياجات ، فأصبحت الحياة أكثر تعقيدا وصرنا نعاني الجوع كان عمي رجلا طيبا وكان يسكن بجانبنا ويرسل لنا ما نسد به جوعنا و عندما رأى الجيران حالتنا تتدهور من سيء إلى أسوأ ، نصحوا أمي بأن تتزوج رجلا ينفق علينا فهي لا زالت صغيرة و لكن أمي رفضت الزواج قائلة : أنا لست بحاجة إلى الحب
..((وكانت هذه كذبتها الخامسة))
6-وبعدما انتهيت من دراستي وتخرجت من الجامعة ، حصلت على وظيفة إلى حد ما جيدة اعتقدت أن هذا هو الوقت المناسب لكي تستريح أمي وتترك لي مسؤولية الإنفاق على المنزل في ذلك الوقت لم يعد لديها من الصحة ما يعينها على أن تطوف بالمنازل ، فكانت تفرش فرشا في السوق وتبيع الخضروات كل صباح و عندما رفضت أن تترك العمل خصصت لها جزءا من راتبي رفضت أن تأخذه قائلة : يا ولدي احتفظ بمالك ، إن معي من المال ما يكفيني
((وكانت هذه كذبتها السادسة))
7-وبجانب عملي واصلت دراستي كي أحصل على درجة الماجيستير ، وبالفعل نجحت وارتفع راتبي و منحتني الشركة الألمانية التي أعمل بها الفرصة للعمل بالفرع الرئيسي لها بألمانيا فشعرت بسعادة بالغة ، وبدأت أحلم ببداية جديدة وحياة سعيدة وبعدما سافرت وهيأت الظروف ، اتصلت بأمي أدعوها لكي تأتي للإقامة معي و لكنها لم تحب أن تضايقني وقالت : يا ولدي .. أنا لست معتادة على المعيشة المترفة
((وكانت هذه كذبتها السابعة))
8-كبرت أمي وأصبحت في سن الشيخوخة ، وأصابها المرض وكان يجب أن يكون بجانبها من يمرضها ، ولكن ماذا أفعل فبيني وبين أمي الحبيبة بلاد تركت كل شيء وذهبت لزيارتها في منزلنا ، فوجدتها طريحة الفراش عندما رأتني حاولت أمي أن تبتسم لي ولكن قلبي كان يحترق لأنها كانت هزيلة ليست أمي التي أعرفها انهمرت الدموع من عيني ولكن أمي حاولت أن تواسيني فقالت : لا تبكي يا ولدي فأنا لا أشعر بالألم
((وكانت هذه كذبتها الثامنة))
إلى كل من ينعم بوجود أمه في حياته : حافظ على هذه النعمة قبل أن تحزن على فقدانه و إلى كل من فقد أمه الحبيبة : تذكر دائما كم تعبت من أجلك ، وادع الله تعالى لها بالرحمة والمغفرة